فصل: فصل (في بيان سهم العاملين على الصدقات):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مسألة [الفرق بين المسكين والفقير]:

قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ الْجَلْدُ لَسْتُ مُكْتَسِبًا لِمَا يُغْنِينِي وَلَا يُغْنِي عِيَالِي وَلَهُ عِيَالٌ وَلَيْسَ عِنْدَ الْوَالِي يَقِينُ مَا قَالَ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ رَجُلَيْنِ أَتَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَاهُ مِنَ الصَّدَقَةِ فَقَالَ: «إِنْ شِئْتُمَا وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي قُوَّةٍ مُكْتَسِبٍ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) رَأَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صِحَّةً وَجَلَدًا يُشْبِهُ الِاكْتِسَابَ فَأَعْلَمَهُمَا أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَهُمَا مَعَ الِاكْتِسَابِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَمُكْتَسِبَانِ أَمْ لَا، فَقَالَ: «إِنْ شِئْتُمَا» بَعْدَ أَنْ أَعْلَمْتُكُمَا أَنْ لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِمُكْتَسِبِ فَعَلْتُ.
قال الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا تَقَرَّرَ فَرْقُ مَا بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ بِمَا ذَكَرْنَا فَخُصَّ رَجُلٌ ادَّعَى فَقْرًا مَسْكَنَةً هل يدفع إليه من الزكاة؟ فَلِلْوَالِي عَلَى الصَّدَقَةِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَعْلَمَهُ فَقِيرًا فَيَدْفَعُ إِلَيْهِ لِعِلْمِهِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَلَا يُكَلِّفُهُ بِبَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينًا. وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَعْلَمَهُ غَنِيًّا، فَلَا يَدْفَعُ إِلَيْهِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ شَيْئًا، فَإِنِ ادَّعَى تَلَفَ مَالِهِ لَمْ يَقْبَلْ قَوْلَهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ أَقَامَهَا عَلَى تَلَفِ مَالِهِ الَّذِي كَانَ بِهِ غَنِيًّا سَمِعَهَا مِنْ شَاهِدَيْنِ، أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَسَوَاءً كَانَتْ بَيِّنَتُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنَةِ أَمْ لَا، وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى فَقْرِهِ لَمْ يَسْمَعْهَا إِلَّا مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنَةِ بِهِ: لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتُرُ الْغِنَى وَيَتَظَاهَرُ بِالْفَقْرِ فَلَمْ تُسْمَعْ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْعِلْمِ بِغِنَاهُ إِلَّا مِمَّنْ يَعْرِفُ بَاطِنَ أَمْرِهِ مِنْ أَقَارِبِهِ وَجِيرَانِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لِقَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ: إِنَّ الْمَسْأَلَةَ حُرِّمَتْ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ، ذَكَرَ فِيهَا: أَوْ رَجُلٍ أَصَابَتْهُ عَادِيَةٌ الْخَبَرَ، إِلَى أَنْ قَالَ: حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَى مِنْ قَوْمِهِ إِنْ تَدَخَّلَتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الثَّلَاثَةِ هَلْ يَكُونُونَ شَرْطًا فِي بَيِّنَتِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ الثَّلَاثَةَ تَغْلِيظًا وَأَنَّ شَهَادَةَ الْعَدْلَيْنِ مُجْزِئَةٌ. وَالثَّانِي: أَنَّ الثَّلَاثَةَ هاهنا شَرْطٌ، فَعَلَى هَذَا هَلْ يَكُونُ شَهَادَةً، أَوْ خَبَرًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا شَهَادَةٌ غُلِّظَتْ يُرَاعَى فِيهَا عَدَالَةُ الشُّهُودِ فِي الْحُقُوقِ لِنَقْلِهَا خِلَافَ الْمَعْلُومِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ خَبَرٌ لَزِمَ فِيهِ الِاحْتِيَاطُ فَمُيِّزَ بِعَدَدٍ وَرُوعِيَ فِيهِ صِدْقُ الْمُخْبِرِينَ لَا عَدَالَةُ الشُّهُودِ. وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَجْهَلَ الْوَالِي أَمْرَهُ وَلَا يَعْلَمَهُ غَنِيًّا وَلَا فَقِيرًا، فَلَا يَخْلُو حَالُ السَّائِلِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُهُ مُوَافِقًا لِمَسْأَلَتِهِ، أَوْ مُخَالِفًا لَهَا، فَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ مُوَافِقًا لِمَسْأَلَتِهِ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ سِمَاتِ الْفَقْرِ وَالْفَاقَةِ وَدَلَائِلِ الضُّرِّ فِي ضَعْفِ بَدَنِهِ وَرَثَاثَةِ هَيْئَتِهِ، فَهَذَا يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ تَعْوِيلًا عَلَى شَاهِدِ حَالِهِ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ يُوعَظُ بِهِ وَلَا يَمِينٍ يَحْلِفُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ مُخَالِفًا لِمَسْأَلَتِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَوِيَّ الْبَدَنِ حَسَنَ الْهَيْئَةِ، فَيَنْبَغِي لِلْوَالِي أَنْ يَقُولَ لَهُ عَلَى طَرِيقِ الْوَعْظِ وَالْإِخْبَارِ بِحَالِ مَنْ يَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ مَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلَّذَيْنِ سَأَلَاهُ الصَّدَقَةَ فَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهِمَا وَصَوَّبَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنْ شِئْتُمَا! وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي قُوَّةٍ مُكْتَسِبٍ»، فَإِذَا قَالَ لَهُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَأَقَامَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الصَّدَقَةَ أَعْطَاهُ مِنْهَا: لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلرَّجُلَيْنِ: «إِنْ شِئْتُمَا» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَهُمَا. وَهَلْ يَحْلِفُ عَلَى فَقْرِهِ قَبْلَ الدَّفْعِ إِلَيْهِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَحْلِفُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ الْفَقْرُ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا عَرَضَ الْيَمِينَ عَلَى الرَّجُلَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُحَلِّفُهُ عَلَى فَقْرِهِ: لِأَنَّ ظَاهِرَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ، فَأَمَّا إِنِ ادَّعَى عِيَالًا فَفِي قَبُولِ قَوْلِهِ فِيهِمْ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَعْوَى الْعِيَالِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِهِمْ: لِأَنَّهَا دَعْوَى تُخَالِفُ الظَّاهِرَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمْ كَمَا يُقْبَلُ قَوْلَهُ فِي نَفْسِهِ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِهِ وَإِضَافَتِهِمْ إِلَيْهِ، لَكِنْ لَا تُقْبَلُ إِلَّا يَمِينٌ يَحْلِفُ بِهَا وَجْهًا وَاحِدًا: لِأَنَّهُ يَسْتَزِيدُ بِهَا عَلَى حَقِّ نَفْسِهِ.

.مسألة [في سهم العاملين على الصدقات]:

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْعَامِلُونَ عَلَيْهَا، مَنْ وَلَّاهُ الْوَالِي قَبْضَهَا وَمَنْ لَا غِنَى لِلْوَالِي عَنْ مَعُونَتِهِ عَلَيْهَا وَأَمَّا الْخَلِيفَةُ وَوَالِي الْإِقْلِيمِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يَلِي قَبْضَ الصَّدَقَةِ، وَإِنْ كَانَا مِنَ الْقَائِمِينَ بِالْأَمْرِ بِأَخْذِهَا، فَلَيْسَا عِنْدَنَا مِمَّنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَلِيَانِ أَخْذَهَا. وَشَرِبَ عُمَرُ رضي الله عنه لَبَنًا فَأَعْجَبَهُ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ فَأَدْخَلَ إِصْبَعَهُ فَاسْتَقَاءَهُ.
(قَالَ) وَيُعْطَى الْعَامِلُ بِقَدْرِ غَنَائِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا: لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ عَلَى مَعْنَى الْإِحَازَةِ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ سَهْمَ الْعَامِلِينَ عَلَى الصَّدَقَاتِ ثَابِتٌ إِذَا تَوَلَّوْا قَبْضَهَا وَتَفْرِيقَهَا وَسَاقِطٌ مِنْهَا إِذَا تَوَلَّى رَبُّ الْمَالِ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ الْمُتَوَلِّي لِتَفْرِيقِ زَكَاتِهِ أَنَا آَخُذُ سَهْمَ الْعَامِلِينَ لِنَفْسِي لِلْقِيَامِ بِالْعَمَلِ فِي التَّفْرِقَةِ مَقَامَ الْعَامِلِينَ لَمْ يَجُزْ: لِأَنَّ الْعَامِلَ مَنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ قبض الزكاة وَتَفْرِيقَهَا نِيَابَةً عَنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ قَبْضَهَا وَتَفْرِيقَهَا نِيَابَةً عَنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ، وَرَبُّ الْمَالِ إِنَّمَا هُوَ نَائِبٌ عَنْ نَفْسِهِ: لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا عَلَيْهَا لِغَيْرِهِ، وَإِذَا كَانَ هَكَذَا لَمْ يَخْلُ حَالُ رَبِّ الْمَالِ إِذَا دَفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ إِلَى الْوَالِي مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَى الْإِمَامِ الَّذِي هُوَ الْخَلِيفَةُ عَلَى الْأَمْرِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَى وَالِي الْإِقْلِيمِ النَّاظِرِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَى الْعَامِلِ الَّذِي وَلَّاهُ الْإِمَامُ قَبْضَهَا وَجَعَلَ نَظَرَهُ مَقْصُورًا عَلَيْهَا، فَإِنْ تَوَلَّاهُ الْإِمَامُ سَقَطَ مِنْهَا سَهْمُ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا: لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِمَامِ عَامَّةٌ قَدْ أَخَذَ رِزْقَهُ عَلَيْهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَلَمْ يُجْمَعْ لَهُ بَيْنَ رِزْقَيْنِ عَلَى عَمَلٍ وَاحِدٍ، وَلِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟ فَقَالَ مَرَرْتُ بِلِقَاحِ الصَّدَقَةِ فَأَعْطَوْنِيهِ فَجَعَلْتُهُ فِي سِقَائِي، فَاسْتَقَاءَهُ عُمَرُ رضي الله عنه فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَالُ الصَّدَقَةِ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَسْتَبْقِهِ فِي جَوْفِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَأْثِيرُ اسْتِقَائِهِ بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ وَمَنْ أَكَلَ حَرَامًا هَلْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَسْتَقِيئَهُ؟ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَسْتَقِيئَهُ؟ قِيلَ فِي اسْتِقَائِهِ لِذَلِكَ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ تَحْرِيمَ الصَّدَقَاتِ عَلَى الْإِمَامِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَنْ أَخَذَ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ مَغْصُوبٍ وَغَيْرِهِ فَتَغَيَّرَ فِي يَدِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ، بِخِلَافِ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَالثَّالِثُ: لِئَلَّا يَسْتَدِيمَ الِاغْتِذَاءُ وَالِانْتِفَاعُ بِحَرَامٍ، وَهَكَذَا لَوْ تَوَلَّى قَبْضَ الصَّدَقَاتِ وَتَفْرِيقَهَا وَالِي الْإِقْلِيمِ سَقَطَ مِنْهَا سَهْمُ الْعَامِلِينَ: لِأَنَّهُمْ فِي عُمُومِ وِلَايَتِهِ عَلَى ذَلِكَ الْإِقْلِيمِ الَّذِي قَدِ ارْتَزَقَ عَلَى عَمَلِهِ فِيهِ جَارٍ مَجْرَى الْإِمَامِ.
فَأَمَّا إِذَا اخْتَصَّ لِعَامِلٍ بِقَبْضِ الزَّكَاةِ تَفْرِيقَهَا ثَبَتَ فِيهَا حِينَئِذٍ سَهْمُ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا لِيَكُونَ مَصْرُوفًا إِلَى الْعَامِلِ وَأَعْوَانِهِ فِيهَا؛ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يُوصَفَ مَنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا على الزكاة فِي الْقَبْضِ وَالتَّفْرِقَةِ فِيهَا بِهَا فِي الْقَبْضِ وَالتَّفْرِقَةِ وَهُوَ مَنْ تَكَامَلَتْ فِيهِ سِتُّ خِصَالٍ:
إِحْدَاهَا: الْبُلُوغُ: لِأَنَّ الصِّغَرَ لَا يَصِحُّ مَعَهُ قَبْضٌ وَلَا تَقْبِيضٌ.
وَالثَّانِيَةُ: الْعَقْلُ الَّذِي يَصِحُّ التَّمْيِيزُ بِهِ.
وَالثَّالِثَةُ: الْحُرِّيَّةُ.
وَالرَّابِعَةُ: الْإِسْلَامُ: لِأَنَّ الْكُفْرَ يَمْنَعُ مِنَ الْوِلَايَةِ عَلَى مُسْلِمٍ لِقوله تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الْمُمْتَحِنَةِ: آيَةَ 1] وَقَدِمَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ مِنَ الْبَصْرَةِ عَلَى عُمَرَ بِحِسَابٍ اسْتَحْسَبَهُ عُمَرُ، فَقَالَ: مَنْ عَمِلَ هَذَا؟ فَقَالَ: كَاتِبِي، فَقَالَ: أَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: هُوَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، قَالَ: أَجُنُبٌ هُوَ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنَّهُ ذِمِّيٌّ، فَأَمَرَهُ بِعَزْلِهِ وَقَالَ: لَا تَأْمَنُوهُمْ إِذْ خَوَّنَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تُقَرِّبُوهُمْ إِذْ بَعَّدَهُمُ اللَّهُ.
وَالْخَامِسُ: الْأَمَانَةُ: لِأَنَّهَا بَيَانُهُ لِيُقْصَدَ بِهَا حِفْظُ الْمَالِ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَنِيبِ، فَأَشْبَهَ وَلِيَّ الْيَتِيمِ الَّذِي إِنْ خِيفَتْ خِيَانَتُهُ سَقَطَتْ وِلَايَتُهُ.
وَالسَّادِسَةُ: الْفِقْهُ بِأَحْكَامِ الزَّكَوَاتِ فِيمَا تَجِبُ فِيهِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَمَا لَا تَجِبُ، وَفِي مَقَادِيرِهَا وَقَدْرِ الْحَقِّ فِيهَا وَأَوْصَافِ مُسْتَحِقِّيهَا وَمَبْلَغِ اسْتِحْقَاقِهِمْ مِنْهَا لِئَلَّا يَكُونَ جَاهِلًا بِمَا هُوَ مَوْكُولٌ إِلَى نَظَرِهِ، فَلَا يَصِحُّ تَقْلِيدُهُ كَالْحَاكِمِ إِذَا كَانَ جَاهِلًا، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ عَامِلِ الصَّدَقَةِ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ: لِأَنَّ وِلَايَةَ الْحَاكِمِ جَامِعَةٌ فَاحْتَاجَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ، وَوِلَايَةُ عَامِلِ الصَّدَقَاتِ مَخْصُوصَةٌ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَكُونَ عَالِمًا، يَعْنِي: أَحْكَامَهَا، فَإِذَا تَكَامَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْخِصَالُ السِّتَّةُ جَازَ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا عَلَيْهَا، وَسَوَاءً كَانَ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً، وَإِنْ كَرِهْنَا تَقْلِيدَ النِّسَاءِ لِذَلِكَ لِمَا عَلَيْهِنَّ مِنْ لُزُومِ الْخَفَرِ: لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا جَازَ أَنْ تَلِيَ أَمْوَالَ الْأَيْتَامِ جَازَ أَنْ تَلِيَ أَمْوَالَ الصَّدَقَاتِ، فَأَمَّا أَعْوَانُ الْعَامِلِ مِنْ كُتَّابِهِ وُحسَّابِهِ وَجُبَاتِهِ وَمُسْتَوْفِيهِ فَأُجُورُهُمْ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ لِعَمَلِهِمْ فِيهَا، وَلَا يَلْزَمُ اعْتِبَارُ الْحُرِّيَّةِ وَالْفِقْهِ فِيهِمْ، لِأَنَّهُمْ خَدَمٌ فِيهَا مَأْمُورُونَ وَيَلْزَمُ اعْتِبَارُ الْخِصَالِ الْأَرْبَعَةِ مِنَ الْبُلُوغِ وَالْفَضْلِ وَالْإِسْلَامِ وَالْأَمَانَةِ. وَأَمَّا الرُّعَاةُ وَالْحَفَظَةُ لَهَا بَعْدَ قَبْضِهَا فَفِي أُجُورِهِمْ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا. وَالثَّانِي: مِنْ أَصْلِ الصَّدَقَاتِ، فَأَمَّا أُجْرَةُ الْحَمَّالِينَ والنَّقَّالِينَ فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ أَخْذِ ذَلِكَ مِنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فَفِيهَا وَجْهَانِ: كَالرُّعَاةِ وَالْحَفَظَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لِحَمْلِهَا لِأَهْلِ الصَّدَقَاتِ فَأُجُورُهُمْ فِي أَمْوَالِ الصَّدَقَاتِ وَجْهًا وَاحِدًا. وَأَمَّا أُجُورُ الْكَيَّالِينَ وَالْوَزَّانِينَ وَالْعَدَّادِينَ فَعَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّهَا عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ: لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ التَّسْلِيمِ وَالتَّمْكِينِ فَأَشْبَهَ أُجْرَةَ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ فِي الْمَبِيعِ، يَخْتَصُّ بِهَا الْبَائِعُ دُونَ الْمُشْتَرِي. وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إِنَّهَا فِي سَهْمِ الْعَامِلِينَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ أَنَّ الْبَيْعَ مَكِيلٌ فِي حَقِّ الْبَائِعِ وَهَذَا مَكِيلٌ فِي حَقِّ أَهْلِ السُّهْمَانِ، فَصَارَ مَا يَلْزَمُ مِنْ أُجُورِ الْعَمَلِ فِي أَمْوَالِ الصَّدَقَاتِ تَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا كَانَ فِي سَهْمِ الْعَامِلِينَ مِنَ الصَّدَقَاتِ وَهُوَ الْعَامِلُ وَأَعْوَانُهُ. وَالثَّانِي: مَا كَانَ فِي أَمْوَالِ الصَّدَقَاتِ مِنْ غَيْرِ سَهْمِ الْعَامِلِينَ، وَهُوَ أُجُورُ الْحَمَّالِينَ وَالنَّقَّالِينَ إِلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ. وَالثَّالِثُ: مَا كَانَ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَمِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ أُجْرَةُ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ وَهُوَ أُجْرَةُ الرُّعَاةِ وَالْحَفَظَةِ، فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ.
وَالثَّانِي: مِنْ مَالِ الصَّدَقَاتِ.

.فصل [في بيان سهم العاملين على الصدقات]:

فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا فَالْإِمَامُ فِيمَنْ قَلَّدَهُ مِنْ عُمَّالِهِ الصَّدَقَةَ فله الإجارة أو الجعالة بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَعْقِدَ مَعَهُ إِجَارَةً عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ فِي زَمَانٍ مَعْلُومٍ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ، فَيَكُونُ الْعَقْدُ لَازِمًا لَهُ وَلَهُ الْأُجْرَةُ إِذَا عَمِلَ، وَإِمَّا أَنْ يَجْعَلَهَا جُعَالَةً فَيَقُولُ: إِنْ عَمِلْتَ كَذَا فَلَكَ كَذَا، فَتَكُونُ هَذِهِ جُعَالَةً لَا تَلْزَمُ وَلَهُ إِنْ عَمِلَ مَا يُسَمَّى لَهُ، فَإِنِ اسْتَعْمَلَهُ مِنْ غَيْرِ إِجَارَةٍ وَلَا جُعَالَةٍ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، ثُمَّ لَا يَخْلُو سَهْمُ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا، وَأَجْرُهُمْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَتَسَاوَيَا فَتَكُونُ الْأُجْرَةُ بِقَدْرِ سَهْمِهِمْ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ فَنُقِصَ عَلَيْهَا، وَقَدِ اسْتَوْفَوْا أُجُورَهُمْ مِنْ سَهْمِهِمْ، وَسَوَاءً كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَوْ فُقَرَاءَ: لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهَا الْفَقْرُ، وَقَدْ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ إِلَّا لِخَمْسَةٍ: الْعَامِلُ عَلَيْهَا وَغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْحَدِيثَ. وَرَوَى ابْنُ السَّاعِدِيِّ قَالَ: بَعَثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَامِلًا عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا رَجَعْتُ بِهَا وَأَدَّيْتُهَا أَعْطَانِي عِمَالَتِي فَقُلْتُ: إِنَّمَا عَمِلْتُ لِلَّهِ وَإِنَّمَا أَجْرِي عَلَى اللَّهِ، فَقَالَ: خُذْ مَا أَعْطَيْتُكَ فَقَدْ فَعَلْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَمَا فَعَلْتَ فَأُعْطِيتُ مِثْلَمَا أُعْطِيتَ فَقُلْتُ مِثْلَمَا قُلْتَ، فَقَالَ: إِذَا أُعْطِيتَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْأَلَ فَكُلْ وَتَصَدَّقْ. فَدَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْخَبَرَيْنِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ مَعَ الْغِنَى وَالْفَقْرِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ أُجُورُ الْعَامِلِينَ أَقَلَّ وَسَهْمُهُمْ أَكْثَرَ فَيَدْفَعُ إِلَيْهِمْ مِنْ سَهْمِهِمْ قَدْرَ أُجُورِهِمْ وَيَرُدُّ الْفَاضِلَ مِنْهُ عَلَى السُّهْمَانِ كُلِّهَا بِالتَّسْوِيَةِ وَلَا يَسْتَبْقِي لِعَامِلِهِ عَلَى غَيْرِ تِلْكَ الصَّدَقَةِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ أُجُورُ الْعَامِلِينَ أَكْثَرَ وَسَهْمُهُمْ أَقَلَّ فَيَدْفَعُ إِلَيْهِمْ سَهْمَهُمْ وَيُتَمِّمُ لَهُ بَاقِيَ أُجُورِهِمْ وَمِنْ أَيْنَ يُتَمِّمُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: مِنْ تِلْكَ الصَّدَقَةِ الَّتِي عَمِلُوا فِيهَا لِاخْتِصَاصِ عَمَلِهِمْ بِهَا. وَالثَّانِي: مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ وَهُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ مِنَ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ: لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَتِهَا.